أن تداوي الإنسان

في سنين ماضية كنّا غرقا ما بين صفحات الكتب نقلبها وندرس ما كتب فيها من حروف وأرقام، كنا نقرأ ساعة ونراجع أخرى في استعداد حثيث لاختباراتٍ متكررة ترهق الروح والجسد، ولكن عون الله كان السند الذي نتكئ عليه لنتجاوز كل تحدٍّ صعب وكل سؤال قاهر.. وفي مستهل أيامنا ببرنامج الدراسات العليا في تخصص طب الأسرة، قيل لنا أنتم هنا لتداووا الإنسان قبل المرض فتأمّلوا الإنسان في نفسه وجسده ومجتمعه.

أن تداوي الإنسان، يعني أن تُقْبِلَ إليه بروحِك وتتوجه إليه بجسدك، أن تنظر إلى عينيه، أن ترعِهِ سمعك، أن تعطه اهتمامك، متذكرًا أن المريض أتاك بعد أن كان الألم قاهرًا له، هازمًا لصبره وتجلّده، فكن يا طبيب مستشعرًا لذلك منتبها..

نحن اليوم بين المرضى ولا كتب نقلب أبصارنا بين دفتيها فنغرق فيها، بل أمام أرواحٍ مليئةٍ بالمشاعر الظاهرة والمشاعر المدفونة، نحن أمام أجساد ممددة تشتكي ولا ندري أهي شكوى تثور من النفس أم الجسد!

في تلك السنين تعلمنا كيف تكون الحروف والأرقام بين السطور هادِيةً، لكننا اليوم نجد نبرة الصوت وملامح الوجه علامة فارِقة.

ولعلي أختم برسالة قصيرة أبثها إلى الآباء والأمهات: تذكروا حفظكم الله أن الإبرة ليست أداة الطبيب الوحيدة فلا تجعلوا من ذِكرِها وصورتها أداة تخويفٍ ووعيدٍ لأبنائكم، فتزيدوا من تحدياتنا بذلك الخوف الذي تزرعونه في قلوبهم..

ولكم كل الود والتقدير.

10 أفكار على ”أن تداوي الإنسان

  1. تأثرت بكلماتك كثيراً ، حقاً مسؤلية عظيمة و إنسانيه بكل معنى الكلمة ، جزاكم الله خيراً لمجهودكم النزيه ..
    شكراً لسرد تلك الكلمات .. اسعدت لي يومي .. 🌷🌷
    دمت بخير صديقي حمزه .. ✨🌸✨

    Liked by 1 person

  2. آخر مقطع من تلك الكتابة ، جعلني أتذكر مواقف عديدة حصلت معي يختلف فيها الاشخاص ولكن الفكرة هي واحدة والموقف الواحد متشابه نفس الآخر .
    قبل أسبوع كنت بين أورقة المستشفى كطالبة متدربة وأحببت أن استريح قليلاً فجلست في غرفة استراحة انتظار النساء وكان هناك أم وطفلها وكنت منشغلة بهاتفي ولكنني فجأة رفعت رأسي حينما سمعت ماهتفت الأم به لطفلها قالت :،” بتسكت وإلا اخليها تعطيك إبرة وهي تأشر علي ” بوقتها كنت بين أمرين هل أصحح له المفهوم لكي لاتتشكل لديه فكرة إني شريرة أو أنني من تسبب الألم له فيأخذ فكرة عني سيئة خاصة كونه طفل فيكرهني ويكره من هم مثلي أو أن اسكت …. وللأسف هذا الموقف تكرر كثير معي.

    Liked by 1 person

    • هذا للأسف ما نعاني منه وما يلحقه من تبعات .. من المواقف التي أذكرها طفلة أتت مع والدها ومتشبثه فيه بقوة وعندها زيادة مفرطة في عدد نبضات القلب وهذه من علامات الخوف الشديد !
      احتجت في الدقائق الأولى إلى التعامل معها بأسلوب خاص حتى أهدّي من روعها وأطمئنها حتى أنها خرجت ولله الحمد من العيادة تودعني وهي مبتسمة .. وأملنا أن يزيد وعي المجتمع والوالدين بشكل خاص حول هذا الأمر ..

      شكرًا لك وممتن لمرورك الرائع ودمت بخير ..

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s