في العيادة دخل ذلك الطفل الذي لا يتجاوز عمره العشر سنوات ، هادئ الخطوة، جميل المظهر، أنيق الملبس ولكن تظهر عليه علامات القلق، بجانبه يجلس والده المتعلم صاحب الشهادات العليا.
وبعد محادثات ونقاش طويل، الطفل لم يكن يعاني من شيءٍ سوى تلك الضغوط والتأكيدات التي تنهال على كاهله من أبيه المُطَالبِ بالكمال في تربيته!
ذلك الأب يكرر على مسامع ابنه: “لماذا حصلتَ على الترتيب الثالث وأنا أريدك أن تكون الأول؟! لقد بذلتُ في سبيل تعليمك الكثير، وسهرت من أجلك الليل الطويل، ولن أرضَ منك سوى ما أرسمه لك” …
تلك كانت البداية، أن يسلب الأب شخصية ابنه ويحطم أمانه الداخلي من أجل تحقيق تلك الأهداف التي يرسمها الأب ويفخر بها لوحده ، ولكن طفله يقاسي الويلات ساعيًا في تحقيقها وبلوغ بعضها!
لا أعترض على ذلك الأب رجاؤه من ابنه أن يكون على قدر عالي من الأدب والعلم والمكانة الاجتماعية ونحوها، وإنما أتساءل إلى أي مدى يحق له أن يتدخل في رسم مستقبل ابنه وتحديد أحلامه؟
متى يجب عليه أن يتوقف قبل أن يكون سببًا في تحطيم تلك الذات الناشئة المتعطشة إلى رعايةٍ لطيفةٍ واهتمام فائق أكثر من أي شيءٍ آخر..
ذلك المشهد ذكرني بآخر مع أحد البالغين، كنّا نجلس معًا ونتحدث في أمر ما ، فإذا به يقول لي: ” أتعلم أن أكثر شخص أتهرب من الجلوس معه هو أبي! ” ،، تفاجأت حينها من قوله؛ إلا أني تظاهرت بعدم الانفعال وسألته لماذا؟
فأجابني: “أبي يقتلني بتوقعاته العالية والمستحيلة أحيانًا، وتأكيده المستمر عليّ بالاجتهاد والعمل المتقن وما إلى ذلك، وهو لا يدري بأن ذلك يزيد من توتّري ويتسبب في تشتيتي وينعكس عليّ بشكل سلبي”..
ذلك الحديث دار قبل قرابة الأربع سنوات وها هو قبل أيام يعود إليّ في صورة طفل بريء!
أليس من الأفضل أن يهب الأب لابنه ذلك القبول والحب الغير مشروط ؟!
أليس من الأجدى أن يهيىء الأب لابنه البيئة الأفضل حيث يقدر، ثم يكتفي بإرشاده في رسم أحلامه التي يختارها بنفسه؟!
وإن استطاع أن يساعد طفله في تحقيق أحلامه فليفعل، بدلًا من تحقيرها وإثبات سلطته على ذلك الجسد الصغير..
إن الأبناء ليسوا نسخة مكررة منكم أيها الآباء، فهم يحملون عقولاً وطبائع مختلفة عنكم، فاصنعوا منهم الشخصية المعتدلة والمكتفية بذاتها، والقادرة على اتخاذ قرارها بكل ثقة، حتى إذا أتى ذلك اليوم الذي تحتاجونهم فيه ، فإذا أمامكم حصادٌ يسرّكم ويؤكد على إحسان رعايتكم..
وفي الختام ،،
حديثي ليس للأب فحسب، بل هو للأم والأخ والأخت والعم والخال وكل من جعل الله تحت يده تربية طفل أو طفلة..
وتذكروا دومًا أن أبناءكم أمانةً في أعناقكم وأنهم قد خلقوا ليعيشوا في زمانٍ غير زمانكم..
إن الأبناء ليسوا نسخة مكررة منكم أيها الآباء، فهم يحملون عقولاً وطبائع مختلفة عنكم، فاصنعوا منهم الشخصية المعتدلة والمكتفية بذاتها، والقادرة على اتخاذ قرارها بكل ثقة، حتى إذا أتى ذلك اليوم الذي تحتاجونهم فيه ، فإذا أمامكم حصادٌ يسرّكم ويذكّركم إحسان رعايتكم..
صدقت كان هذا الموضوع يضايقني من قبل لكن ارتحت الأن عندما وجدت شخص ينبه عنه
إعجابLiked by 1 person
وتذكروا دومًا أن أبناءكم أمانةً في أعناقكم وأنهم قد خلقوا ليعيشوا في زمانٍ غير زمانكم..
ابدعت حروفك ، فعلاً أبنائنا يصنعون مستقبلهم و فرصهم بأنفسهم ، وليس با الإكراه و الإجبار ،،
كما قلت زمانهم غير عن زماننا ..
حفظهم الله ، و وفقهم لما يحب و يرضى ..
شكراً لقلمك و رسالتك ..
أسعد الله أوقاتك ، و دمت بخير .. 🙏🏼✨
إعجابLiked by 1 person
الله يسعدك ويتقبل دعواتك ،، شاكر وممتن لمرورك الجميل .. ✨🙏🏻
إعجابLiked by 1 person
أبدعت في الفكرة والأسلوب سدد الله خطاك
إعجابLiked by 1 person
الله يسعد قلبك عمّتي الغالية ،، شاكر وممتن لمرورك الجميل 😍🌹🙏🏻
إعجابإعجاب
سعيدة لأني وجدت هالمدونة ابدعت جدًا أستاذ حمزه وموضوع رائع وكلام سليم جدا😻
إعجابLiked by 1 person
الله يسعدك ويرفع قدرك ، شاكر وممتن لمرورك 🙏🏻🌷
إعجابإعجاب
موضوع رائع و أسلوب بسيط .. سدد الله خطاك
إعجابLiked by 1 person