بفضل من الله وكرم ، فازت هذا اليوم القصة الأولى التي كتبتها بعنوان “في سبيل الحب” بالمركز الثالث في مسابقة إثراء الأدبية للقصص القصيرة بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية ،، وفيما يلي أترككم مع القصة الفائزة ..
(الجزء الأول)
الفصل الأول: البداية..
توجّهَتْ بما تَحملُ في يديها إلى المحاسب لتتفاجأ بنظراتِ ذلك الشاب تحملق من دون انقطاع نحو عينيها الفاتنتين:
نظرت في عينيه ثم صاحت: هيه ما بك؟ ألا تخجل؟!
فيرد الشاب متلعثمًا: عفوًا ما الأمر؟
فتجيبه في حالةٍ من تقطع النفس وعينيها تنظر للأسفل: حاسبني ودع عنك السرحان..
فيرد عليها: عفوا حسابك ألف وخمسمائة ريال..
تقلب حقيبتها فإذا بها لا تجد البطاقة ولا تجد سوى ورقة واحدة من فئة المائة ريال!
فتحدث نفسها محرجة ماذا أفعل، وماذا أقول له وأنا للتوّ صرخت عليه!!
الشاب: ينظر إليها وقد فهم أنها لم تجد البطاقة ولا يوجد معها ما يكفي من المال.. فأطرق قليلا ثمّ همّ بالكلام ولكنه صمت!
تركت الأكياس على الطاولة وتوجهت نحو الباب مغادرة دون أن تتفوّه بكلمة واحدة ..
الشاب ينادي: “عفوا ،، يا سيدتي ،، يا سيدتي ،، أتسمعينني ؟!”
حينها وقفت ولكن لم تلتفت ،، فأجابت بخجل “عفوًا لا أملك المال الآن ، سأعود لاحقًا لأدفع الحساب وآخذ الأكياس” ..
الشاب في نبرةٍ مترددة وصوت مرتفع يرد عليها: “توقفي يا سيدتي وخذي الأكياس وعودي بالمال إليّ في وقت لاحق”..
عادت والخجل يغطيها فأخذت الأكياس كأنما تختطفها دون أن ترفع عينيها من الأرض وغادرت مسرعة!
تلك هي ندى التي تعيش في القصر المعروف بقصر الأمل في مدينة الدمام وهو من أقدم قصور أبيها وأجملها والذي يطل على شاطئ البحر وتحيط به الحدائق الغناء .. تلك هي ندى البنت المدللة التي عاشت وترعرعت مترفةً في قصر والدها حتى تجاوزت العشرين من عمرها ..
الفصل الثاني: في القصر..
وصلت ندى لغرفتها ورمت الأكياس على الأرض وصاحت ”ربّاه ،، ما هذا ،، ما الذي يحدث وما الذي حصل! حقّا لا أفهم شيئًا..”
أخذت حقيبتها تقلبها فإذا بها تجد البطاقة في الموضع الذي تضعها فيه دائمًا ،، أخرجتها وتأملتها وتمتمت ” ربّاه ما الذي يحصل؟ لماذا لم أشاهدها ذلك الوقت بالرغم من أني بحثت عنها جيدًا ؟!”
تناولت كأسا من الماء البارد وجلست على حافة الطاولة وأطرقت تحدث نفسها ،، “يا تُرى من ذلك الشاب وما هي قصته؟ يا ترى لم ناداني لآخذ الأكياس دون أن يعرفني أو يتأكد بأني سأعود له بالمال في وقت آخر!”
“وأنا ماذا حدث لي؟! لماذا وكأني أعرفه من قبل وفجأة لم استطع الكلام ولماذا ارتبكت ولماذا زادت نبضات قلبي بشكل متسارع حتى خفت أن أسقط مغشيّا عليّ!”
مرّت يومان وحال ندى في شرودٍ دائم ،، تُفكرُ في ذلك الموقف وفي أمر الشاب العجيب!
وفي اليوم الثالث ذهبت لتعيد له المبلغ وتشكره على ثقته ولتعتذر عن تأخر عودتها ..
وصلت السوق ودخلت إلى ذلك المحل وإذا بها تلمح ذلك الشاب نفسه من بعيد وتتأمله من دون أن يراها ،، فإذا بها تشعر وكأن قلبها ينازع وسط صدرها من شدة انقباضه وانبساطه ..
فحاولت أن تتمالك نفسها ونظرت للأسفل ومشت بخطوات هادئة ومتسارعة نحوه ، فقالت له: “أنا أتيت قبل ثلاثة أيام واشتريت بعض الملابس ولم أحاسب عليها بعد ، فعذرًا هلّا ذكرتني كم كان حسابي لأدفعه؟”
التفت متفاجئا ونظر إليها فإذا به يحس برعدة تسري في جسده وإذا به يحس بنبضات قلبه تتسارع مع كل كلمة يسمعها من فمها .. وأطرق في عينيها محملقًا للمرة الثانية دون شعوره …
أحسّت حينها أنه ليس في شعوره فنادته: “عفوًا يا أخي! هل أصابك شيء؟ إنّي أسألك كم بقي عندي من المال لم أدفعه؟ ألم تسمعني؟”
استعاد شعوره بندائها وتمالك نفسه ،، ثم أجاب سريعًا ” عفوًا لا أذكر شيء ” هل أنتِ متأكدة مما تقولين؟
أجابت في تعجب: ” ماذا؟ ما الذي تقوله؟ ، نعم أنا أتيت إلى هنا قبل أيام وأنت ناديتني حين كنت واقفة عند الباب مغادرة، وقلت لي خذي الأكياس وعودي بالمال في وقت لاحقًا ، ألا تذكر ذلك؟”
أجاب بكلمات متقطعة: عفوًا سيدتي بالتأكيد أنتِ غلطانه وقد أتيتي للمكان الخطأ ، لم يحدث شيئا مما تقولين!
رفعت عينيها للمرة الأولى ونظرت في عينيه مباشرة، تسأل نفسها “هل أنا في حلم أم في حقيقة .. متأكدةٌ أنني رأيت هذا الشاب وأنه هو ذاته من دعاني حينها”..
ولم تستطع أن تتمالك نفسها أكثر فغادرت المكان بخطوات سريعة كالهاربة…
وقف الشاب مكانه جامدًا لا يدري ما الذي فعله ،، وكيف فعله !!
فشهق وزفر بشدة وهو يسأل نفسه: يا تُرى من هذه الفتاة؟ ولماذا اعتلتني رعشة حين رأيتها وسمعتها؟
وبينما هو يحدث نفسه ويفكر في أمرها ، إذا بها تعود وتفاجئه بصوتها للمرة الثانية فتناديه وتسأله :” ما اسمك؟”
فأجاب سريعًا: “اسمي عمر”
وفي تلك الأثناء قطع حديثهم نداء مدير المحل: عمر، والدتك على الهاتف تتصل بك ..
ذهب ليكلم أمه وبعد انتهاء الاتصال القصير غادر المحل في ربكة وسرعة..
الفصل الثالث: الاتصال المفاجئ ..
وصل البيت فإذا بوالده يشكو من آلام شديدة في الصدر فأخذه للمستشفى القريب من البيت.
الطبيب ينادي عمر ويخبره: “بعد عمل الفحوصات اللازمة اتضح لنا أن والدك في حاجة ماسة لعملية توسيع الشرايين القلبية في أقرب وقت ممكن ،، ولكن هذه العملية لا يمكن إجراؤها سوى في المستشفيات المتقدمة وتكلفتها باهظة الثمن.. سَنُبقي والدك تحت الملاحظة الشديدة خلال هذا اليوم فيما أنت تنظر في الأمر..”
همهم عمر بصوت مسموع وغادر المستشفى..
وبينما هو يقود السيارة عائدًا للبيت كان يفكر في أمر المال الذي سيدفعه من أجل علاج والده!
حدّثَ نفسه هل يبيع سيارته أم يذهب للبنك ويحاول إقناعهم في أخذ قرض بنكي آخر فيزيدُ العناء عليه جرّاءَ الفوائد البنكية المترتبة على ذلك..
وبينما هو في سيل أفكاره يسبح ،، قطعه اتصال مفاجئ من رقم غير مسجل عنده.. فأجاب فإذا هو صاحب الشقة التي يسكنها مع والديه ، يخاطبه بنبرة عالية وغاضبة ويذكره بأنه متأخر 6 أشهر عن سداد الإيجار ويبلغه أنه سيرفع الإيجار عليه 3 آلاف ريال ، وفي حال تأخر أكثر في سداد المبلغ سيتصل بالشرطة .. ثم أغلق الخط دون خاتمة!
شهق عمر حينها شهقة عميقة ورمى بالجوال على المقعد الذي بجانبه ، وكأن هذا الاتصال قد كان مطرقة إجبار له بالذهاب للبنك ، فالسيارة مهما قلل السماسرة من بخسها حقها لن تفي قيمتها بما يستلزم عليه دفعه!!
ذهب للبنك وبعد إلحاح شديد منه وقبوله لشروطهم الجائرة، وافق مدير البنك على إقراضه مبلغًا بالكاد يفي بعلاج والده وسداد إيجار البيت..
عاد بعد ذلك مستبشرًا إلى والده في المستشفى وبدأ مع الطبيب المختص إجراءات نقله للمستشفى القريبة المتقدمة ..
ذهب بعد ذلك إلى عمله فإذا بمدير المحل مستاءً ويسأله بنبرة حانقة: “هل تصدّقتَ كعادتك بمبلغ 1500 ريال على الزبائن المحتاجين؟”
أجابه بتلعثم وخوف: “نعم فعلت ذلك وأعدك وعدًا قاطعًا ألا أفعلها مرة أخرى”..
فرد عليه: “لا أعلم ما الذي يصبرني عليك طوال هذه المدة! وكن على يقين بأنني سأخصم هذا المبلغ من مرتبك آخر الشهر.. هل فهمت؟”
فأجاب: “بالتأكيد فهمت ..”
وفي اليوم التالي بينما عمر يزور والده في المستشفى ، أتت ندى مرة أخرى للمحل تسأل عنه فأخبرها المدير أنه مع والده في المستشفى يتابع حالته .. وأنه سيعود قريبًا ..
ولكنها لم تكتفِ بما أخبرها المدير عن عمر بل بادرته بالعديد من الأسئلة التي من خلالها عرفت الكثير عن عمر وأسرته!
فكتبت رسالة قصيرة ووضعتها في ظرف مزخرف وناولته للمدير على أن يسلمه لعمر مباشرةً حين عودته للمحل!
الفصل الرابع: الصندوق
استمر عمر يكافح ما بين إتمام ساعات وظيفته والوفاء بحق والده ومتابعته ، وبعد عدة أيام أتم والد عمر العملية وخرج من المستشفى معافًا سالمًا..
وبعدها بأيام قلائل اتصل مندوب البنك بعمر يحذره من التأخر أكثر في سداد المبالغ السابقة والمتراكمة عليه ..
وما إن وصل ذلك اليوم إلى المحل حتى توجه إلى المدير وكلمه في أمر المبلغ الذي سيخصمه من مرتبه هذا الشهر ،، وكان يترجاه في أن يخصم المبلغ على فترتين كي يستطيع إعطاء البنك بعض المال.. ولكنه أجابه في تهكّمٍ واستنكار:
“ومن قال لك أني سأبقيك للشهر القادم؟ فأنت مطرود بنهاية هذا الشهر ومن الأفضل أن تبحث لك عن وظيفة أخرى من الآن..”
غادر بعد ذلك والهم يملأ صدره ولا شيء أمامه يبدد غمّه!
وما إن وصل إلى بيته ، إذا به يرى الشرطة عند باب البيت تنتظره ، فصاحب البيت قد رفع الشكوى عليه وليس في يده ما يسدد به عُشر المبلغ الذي عليه ..
وفي السجن وصل إليه طرد خاص.. قيل له أنه من مدير المحل الذي كان يعمل فيه وما إن فتحه حتى وجد المبلغ الزهيد المتبقي من مرتبه الأخير ووجد في داخله الظرف المزخرف الذي لم يستلمه قبل أيام .. رمى المبلغ الزهيد بجانبه ثم راح يفتح الظرف فإذا به يجد ورقتين ، فأخرجهما وفتح الأولى فإذا به يقرأ فيها :
” إليكَ عمر ..
لا أعلم حقيقةً ما تشعر به ، ولكنني أستطيع أن أقرأ مشاعرك في عينيك كما أعلم مشاعري في قلبي ..
إنك وإن لم تجرؤ على الكلام فقد تجرّأتَ وفعلت .. وأني وإن لم أجرؤ وأتكلم فأنا أحذو حذوك فأفعل ..
فرجائي منك أن تقبل هديتي إليكَ كما قَبلتُ هديتكَ إليّ من قبل .. وكن دائمًا بخير والله يرعاك ..
ندى ”
ضمّ الورقة الأولى إلى صدره وراح يفتح الورقة الأخرى فإذا به يتأملها ويتفاجأ بشيكٍ مالي قيمته 200 ألف ريال!
(الجزء الثاني)
الفصل الأول: البحث عن الحقيقة!
مرت الأيام والأسابيع وقد انجلت هموم عمر وتبدد غمّه إلا همّا ما برح يراوده كل ساعة ويكدّر عليه صفو عيشه..
إنه يبحث عن سر ذلك المشهد الغامض الذي تكرر مرتين!
بذل عمر جهده وأضناه التعب في البحث عن تلك الفتاة التي سحرت بعينيها عقله وقلبه ، ولم يجد لها أثر سوى ذلك الظرف المزخرف وتلك الرسالة التي تحمل في طيها المعنى العميق والقلب النابض ..
وبعد أن تعب من تلك الحال التي يعيش فيها جسدًا يخالط الناس هائمًا ، وروحًا تنفطر كل يوم شوقًا لنظرة أو همسة..
لم يكن بيده حيلة إلا أن يستسلم للقدر وألّا يبحث عنها أكثر ..
وكان يظن أن الأصلح له أن يمضي في حياته وأن يَجدّ في تحصيل بعض المال الذي يكفل له ولوالديه حياة كريمة في الحاضر والمستقبل..
أضحى يقلب الصحف والمجلات ليله ونهاره يبحث عن وظيفة جديدة لعلّه يبدأ من خلالها حياةً جديدة..
وبعد أسابيع خاض فيها العشرات من المقابلات الوظيفية واللقاءات التي كان يلهث وراءها كل صباح ومساء ويصمد في وجه كل يأس يداهمه بعد كل رسالة اعتذار ورفض ،، أتاه ذلك العرض الذي لم يخطر له على بال..
أتاه عرض وظيفة خاصة كمرافق ومساعد لأحد رجال الأعمال ويعرف باسم سليمان ، وكان من شروط العرض أن يكون مرافقًا له في حله وسفره..
فكر عمر في ذلك العرض وتردد كثيرًا فوالداه كبيران في السن ويحتاجان للرعاية والاهتمام ولا يدري ما يصنع!!
وقد مرت عدة أيام منذ أن صرف جميع ما تبقى له من المال ، وحالته النفسية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم ،، والجميع يرفض أن يوظفه بشهادته الثانوية بالرغم من فطنته وذكائه وحسن مظهره ..
فلم يرَ بُدّاً من قبول ذلك العرض مؤقتًا ، وكان يحدث نفسه بأنه سيستمر في البحث عن وظيفة تناسبه وتضمن له قربه من والديه ورعايتهما ..
وفي نهاية الأسبوع الأول من مباشرته لتلك الوظيفة وفي مدينة إسطنبول تحديدًا ، حيث كانت فترة العشاء في أحد الفنادق الفارهة .. فيحدث نفسه متعجبًا منها ” يا الله ما الفرق بين حالي هذه وحالي تلك! هل أنا أسير على الطريق الصحيح ، أم أنني تسرعت وغامرت في خوض زوايًا في الحياة لم أعشها من قبل ولم أرتح فيها اليوم ولا أعلم إن كنت سأتأقلم معها فيما بعد ؟!”
انتهى من تناول العشاء وبينما هو يرافق عمه سليمان لغرفته جشّ جسمه لسماع ضحكات ونبرة صوتٍ يعرفها جيّداً ،، التفت وراءه وراح يقلب نظره باحثًا عن مصدر تلك الضحكات التي حركت أنفاسه وتلك الهمسات التي أعادت الروح في صدره ..
راقب المشهد من حوله ولم يلفت انتباهه سوى ثلاث فتيات كنّ يمشين وجلسن إلى أحد طاولات الطعام..
الفصل الثاني: محاولة كشف القناع ..
تحرك مسرعًا نحوهم ولم يُرْعِ سمعه لعمّه حين ناداه وهو يغادره من دون إذنه ، وتهافتت خطواته نحوهم من دون شعوره وحين اقترب منهم طفق ينادي بصوت خجول يحركه الشوق ” ندى ،، ندى ،، لقد سمعتك ،، إنها أنتِ بالتأكيد وأخيرًا وجدتك ” ..
التفتن إليه جميعهن في لحظة واحدة وقلّبْنَ نظرهن في عينيه وقامته ولسانُ حال كل واحدة منهن يقول “يا ليتني ندى” !
توقف نَفَسُهُ وجَمُدَ في مكانه ولم يصدق عينيه ،، فنظر يمينًا يقلب نظره ثم راح يقلبه عن يساره في ذهول واستغراب …
لا زال يشكّ في نظره ، فنزع النظارة عن عينيه فأغمضها وبدأ بفرك الأولى ثم الأخرى .. وعاد يقلب النظر كرّةً أخرى فلم يرَ شيئا يختلف عمّا رآه منذ لحظات مضت ..
شعر بالخجل الشديد والخيبة بعد أن صحى من ذهول عقله فغادر بخطى سريعة من أمام الفتيات ومن المطعم كله ..
ولم يكن ذلك أسوأ ما لقي ذلك اليوم بل كان التوبيخ الشديد في انتظاره حين عاد إلى عمه ، فما كان منه إلا أن يعتذر بشدة ويعده أن لا يعود لذلك مرّة أخرى ..
وفي صباح اليوم التالي: وبينما هو خارجٌ من غرفته إذا بتلك الفتاة تمر من أمامه في مشية متزنة ثابتة وفي ذلك القوام الطويل والرشيق ..
فإذا بقلبه يزداد نبضه وكأن شيئا ما يقبض على صدره ويشد به نحوها .. فأسرع خلفها يركض يحاول اللحاق بها ويمد بيده نحوها فإذا بها تسمع قرع نعليه فتلتفت إليه وتنظر نحوه ثم تحملق في عينيه !
فيقف مشدوها مذهولا ،، ويبدأ لسانه يردد” ندى ،، ندى ” وجدتك أخيرًا ..
فأجابته في ذهولٍ فاق ذهوله: عمر! لقد قتلني اليأس في البحث عنك وها أنا أجدك هنا بعد ذلك العناء كله!
فسالت دموع الفرح والشوق على خديها وفي خطوات مترددة تقدمت إليه وباعدت بين ذراعيها واقتربت منه أكثر تريد ضمّه إلى صدرها علّ لهيب الشوق يبرد قليلًا ..
نهض عمر من فراشه مذهولا ،، لا يصدق نفسه ولا يعلم أهو في حقيقة أم حُلم !!
نفض الغبار عن عينيه وعرف أنه كلما أراد البعد عنها ونسيانها زادت منه قربًا وزاد إليها شوقًا ..
الفصل الثالث: صراع مع الحقيقة!
الأيام تتوالى والتهاب الشوق في ازديادٍ وحال عمر كالهائم على وجهه؛ لا يسمع صوتًا إلا ويُخيّل إليه أنه صوت ندى ، ولا ينظر إلى امرأة إلا ويبحث عن ملامح ندى بين تقاسيم وجهها وجسدها ، بل وأصبحت حقيقته كحلمه من كثرة ما يرى طيفها في المنام فيصحو على خيبة الأمل!
وفي ليلة من الليالي الباردة عاد إلى بيته متأخرًا بعد سهرة طويلة كان فيها برفقة عمّه .. فإذا به يرى أمه ممددةً على جنبها الأيمن بالقرب من باب الشقة .. فهال عليه منظر أمه وتقدم نحوها مسرعًا يتفقدها وقلبه منقبضٌ وخائف !
اقترب عمر من أمه أكثر وبدأ يربّت على كتفها بهدوءٍ تام ويناديها : أماه ،، أماه أتسمعينني؟
لم تجبه ،، وحاول مرة أخرى ورفع صوته في النداء فإذا بها تنتبه إليه والتعب يملأ عينيها بل وجسدها ،، فتجيبه : أهلا يا قرة عيني كنت أنتظرك ويبدو أني غفوت ولم أشعر بذلك .. كنت أنتظرك من أجل هذا الظرف لا أعلم من وضعه تحت الباب قبل ساعات وغادر.. خذه وهلّا فتحته وأبلغتني بما فيه..
انقطع نفسه من جديد وتأمل الظرف في يد أمه وخيّل إليه أنه ذلك الظرف الذي ينتظره منذ زمن بعيد ولكنه أبطأ في الوصول..
استلم الظرف وقال لأمه سأقرأه لك في الغد إن شاء الله ، أما الآن دعيني أساعدك وأوصلك إلى غرفتك لترتاحي..
ذهب إلى غرفته بعد ذلك وبدأ يتأمل ذلك الظرف دون أن يفتحه وسرعان ما شرد به فكره إلى الماضي ليعيش بعض الذكريات القديمة مع الظروف التي كانت تصل إليه في صغره فكان تارةً يفتحها ويتأمل ما بها من رسومات أطفال ملونة وتارة يعبث بها ويشخبط فوقها .. دون أن يسأل نفسه ولو لمرة واحدة “من الذي بعث بها إليّ؟!”
صحى من شروده وسأل نفسه : “أيعقل أن واضع هذا الظرف تحت الباب هي ذاتها ندى ؟ وما بال ذكريات الطفولة ؟”
ومع كل سؤال يسأل نفسه يزداد ألمًا وشوقًا ، إضافةً إلى ذلك الشعور الذي يخالطه ولا يقدر على وصفه !
فما استطاع إلا أن يضع الظرف تحت رأسه وينام !
الفصل الرابع: الظرف ..
وفي اليوم التالي استيقظ عمر في وقت متأخر فلم يحس بالمنبه ولم يسمع رنين الجوال حين انهالت عليه اتصالات عمه ومن معه..
صحى وتذكر ذلك الظرف المغلق تحت وسادته ، فتناوله وفتحه فإذا به يخرج الورقة من داخله ويقرأ ما كُتب فيها :
” إليك عمر ..
إنني وإن قَضَتِ السنين على أن نفترق ، لم يفارق خيالك فكري ..
وإننا وإن شاءت الأقدار ألا نلتقي كنتُ ألقاك في كل حين ،، فأنت لم تفارق قلبي ولو للحظة واحدة …
لا أعلم ما سبب اختفائك تلك السنين كلها ولكنني أعلم أنها لم تكن إرادتك ،،
وأنك عشتَ الحياة التي لا تريدُها كما أنني أعيشُ الحياة التي لا أريد ..
كنتُ بعثتُ لك ظرفًا من قبل ولكنه تأخر في الوصول إليك ولا أعلم ما السبب!
ولكني آمل أن يصلك هذا الظرف من دون تأخير.. فأنا أود لقاءك غدًا الساعة الخامسة مساءًا في المطعم الهندي على الطريق الثالث .. هناك بعض الحديث أود أن أفضي به إليك ..
سأكون هناك الساعة الخامسة تمامًا وسأنتظرك لربع ساعة وإن لم تصل سأغادر وسأفهم من ذلك أنها لم تصلك رسالتي في الوقت المناسب .. وكن دائمًا بخير والله يرعاك ..
ندى ”
تفقد ساعته بسرعة فإذا بالوقت يتجاوز الثانية ظهرًا .. وليس أمامه إلا أن يتجهز لذلك الموعد الذي انتظره منذ زمن طويل..
تجهز ولبس أحسن ما يجد في غرفته وتطيب بأجمل عطوره وركب سيارته متوجهًا إلى ذلك المطعم ،، وفي الطريق أتاه اتصالٌ من عمه ..
رد عليه فإذا به يسأله:” أين أنت؟ نحن بانتظارك في المطار ستقلع الطائرة في تمام الساعة السادسة مساءً.. بسرعة احضر وإياك أن تتأخر… ”
وحين أنهى الاتصال مع عمّه ، حار به تفكيره ولا يدري أيكمل طريقه ويذهب للقاءٍ انتظره منذ زمن أم يلبّي نداء عمه ويلحق به في المطار!
(الجزء الثالث)
الفصل الأول: القرار الصعب..
فكّر عمر في الأمر سريعًا وتذكر حاجته وحاجة والديه لهذه الوظيفة وقلبه في ذات الوقت يعصره شوقًا للقاء أعظم من كل لقاء.. ولكنه في آخر الأمر تجاهل قلبه فعدّل اتجاه مركبته ولحق بعمه!
وبعد أسبوعين عاد من سفره وذهب إلى أمه ليجلس إليها ويسألها ، فالكثير من الأحداث تمر عليه لا يعلم بينها رابطًا ولا سببًا ولعلها تعلم شيئًا لم تخبره به من قبل!
وفي البداية أخبرها بما كُتب في الظرف الأخير الذي وصل فإذا بها تصد بوجهها عنه وتلك هي ملامح الحسرة تظهر على قسمات وجهها .. فزاد ذلك من تعجب عمر وفضوله في أن يعرف ما الأمر وما سر تلك الرسالة ..
فإذا بها تطرق قليلًا ثم تتحدث فتقول له : يا بني إنها منذ سنين طويلة يوم أن كُنْتُ في عزّ الصبا ولم أتزوج من أبيك بعد ، كانت لي صديقة لا أحسبها إلا كالأخت وأكثر تسكن هي وأهلها بجوار بيتنا ، وكانت تجمع بيننا كل الأوقات ولا نفترق إلا ما ندر ،، حتى جاء ذلك اليوم الذي تزوجَتْ فيه رجلاً عُرف عنه كثرة السفر .. وكنت أترقب سفره كل حين حتى أرى صديقتي وأجتمع معها كما كنا نفعل من قبل ..
وبعد أشهر رزقني الله بوالدك فتقدم لخطبتي والزواج بي وبعد فترة رزقنا الله أول مولود فكنت أنت ..
ومنذ أن تزوجتُ بوالدك ، انقطعتُ عن صديقتي ولم أرها بعد ذلك أبدًا ، ومرت الأيام .. وفي أحد الليالي جاءني طارق منها فأخبرني بأنها تبلغني السلام وتبعث لي برسالة وهدية .. ففتحت الرسالة فإذا بها توصيني بابنتها ، فإنها مصابة بمرض خبيث والطبيب لا يرى أنها ستعيش إلا بضع أشهر قلائل ..
وأنها فكرت في أمر ابنتها التي لم تتجاوز العامين فلم تر قلبًا سيحن عليها إلا قلبي ولا أمًّا سترعاها إلا أنا ..
فكنتُ لكما أمّا حانية وكنت أنظر لكما وأرعاكما بعين واحدة لا أفرق بينك وبينها في شيء أبدًا .. حتى بَلغَتْ سن السادسة فأتى أبوها من السفر ، بعد أن فتح الله له في تجارته ورزقه من حيث لا يحتسب ، فأخذ ابنته وحُرِمْتُ رؤيتها منذ تلك اللحظة!
ومنذ ذلك الحين وقلبي يتفطر عليك وعليها فقد كنتُ أشاهد كيف تلعبان وتأكلان وتنامان مع بعضكما البعض ، بل وكيف تعيشان حياة واحدة كأنكما جسد واحد .. ولكني كنت أعلم أن أباها سَيَمُنّ بها عليك ولن يسمح لك بأن تقترب منها أكثر فنحن لا نملك المال مثله وحالنا العالم به الله ..
فرأيت أن أكتم الأمر عنك كل السنين التي مضت وكنت أظن الأمر قد مضى وانتهى .. ولكني أخطأت حين ظننت أن الهوى في القلب بالبعد ينطفئ وبتعاقب السنين ينمحي!
كانت الكلمات تلك كالصواعق تنزل على قلب عمر وهو لا يدري ما يفعل وما الذي يخبئه له القدر!
الفصل الثاني: حين لا يبتسم القلب
وفي صباح اليوم التالي جاءه اتصال شخصي من عمه سليمان ليحضر إلى مكتبه الشخصي ..
وصل إليه وجلس إلى جانبه وهو لا يدري ما الأمر الذي من أجله استدعاه فتلك المرة الأولى التي يطلب منه الحضور إلى مكتبه فجأة من دون تنسيق سابق ..
ابتسم في وجه عمر ابتسامة يملأها الرضا وبدأه الحديث فقال: إنني أعلم يا عمر أنك بذلت الكثير من الجهد خلال الأشهر الماضية فأذهلتني بتفانيك وإخلاصك ولم تخيّب ظن من أوصاني بتوظيفك ، وإنني أود أن أشكر لك هذا الإخلاص والتفاني في العمل الذي تقوم به ، كما أود أن أكافئك على صنيعك بترقيتك ومضاعفة مرتبك الشهري ، على أن يكون ذلك حافزًا لك في بذل المزيد والإحسان في الأداء..
فتبسم عمر لسماع ذلك وتظاهر بالفرح فشكره على ثقته وكرمه ووعده أن يبذل المزيد وأن يكون عند حسن ظنه.. وتساءل بينه وبين نفسه ” يا تُرى من يكون ذلك الذي أوصى بي؟ ”
غادر بعد ذلك المكتب وكلمات أمه بالأمس لا تفارق مسامعه فقلبه يعصره من جهة وعقله ينازعه من الأخرى وهو في الوسط كالجريح الذي خارت قواه فصار طريح الأرض لا يدري أيستسلم للقدر فيموت أم يتشبث ببقايا الحياة ويفُزّ بجسده!
وفي طريق عودته للبيت أتته رسالة على جواله من رقم لا يعرف صاحبه ..
” مساء الخير عمر..
في الغد عند الساعة الثامنة مساءً سأكون في انتظارك بقصر الأمل الواقع على الشاطئ الشمالي ..
رجائي ألا تتأخر في الحضور..
والد ندى..”
قرأ تلك الرسالة مرةً وثانية وثالثة مذهولا ولا يكاد يصدق عينيه!
الفصل الثالث: “مستحيل”
وفي اليوم الذي يليه .. كان عمر على الموعد ولكنه وصل وحاله في ذهول شديد وتردد لا يعلم هل صحيح أنه يعيش واقعًا أم أنه في غيابات الأحلام يعيش …
دخل ذلك القصر المحاط بالزروع والنخيل والرمان ، والمزيّن بالأحجار الكريمة والأزهار والممرات التي يجري من تحتها الماء وتلونها الأسماك والمرجان..
دخل مجلس القصر فإذا به يلتقي عمه سليمان .. اندهش وجمدت عظامه وزادت الحيرة بقلبه وعقله..
جلس فإذا به يستلم القهوة ويشربها سريعًا فتكوي لسانه وتوقظ عقله الشارد ..
بدأ عمه سليمان بالحديث فقال :
“إنني قضيت السنين الطوال من عمري ألهث وراء المال لا همّ لي سوى أن أهب السعادة لابنتي فأعوضها عن فقدها لأمها في صغرها ، ولكنني وبعد هذه السنين الطوال وبعد أن سهرت وتعبت وسافرت وتغربت عن وطني اكتشفت أنني ما كنت إلا أسعى وراء سراب لن يروي ظمأ ابنتي مهما ركضت وراءه .. ”
“وإنني أود أن أختصر الحديث ولن أطيل أبدًا ، فالسنين علمتني أن الحكمة في أن نقاتل في سبيل غايتنا وأن نصل إليها لا أن نتهرب منها فنراوغ ونطيل الطريق!
لذلك فإنني قد دعوتك لأني أريد أن أحيي هذا القصر بالأرواح التي تحبها ابنتي وتبحث عنها منذ سنين .. وإنني أدعوك ووالديك للعيش معنا في هذا القصر فنكون كالعائلة الواحدة .. ”
توقف حينها نَفَسُ عمر من هول ما سمع ، فتفكر فيما قاله عمّه وتساءل بينه وبين نفسه “ما الذي يقصده بذلك” !
صمت قليلًا ثم نطق بصوت حانق: “مستحيل” !
“وهل غايتك بعد تلك السنين أن تجعل مني ومن والديّ خدم في قصرك!
وما الذي تقصده حين قلت إنك تريد إحياء هذا القصر؟ وهل خلت الدنيا من الناس فلم يبق إلا أنا ووالديّ لتستخدمنا في هذا القصر؟”
قفز حينها عمه سليمان من مقعده وقال له: مهلا يا بنيّ ، أرجوك ، لا تفهمني بشكل خاطئ ..
ثم أدخل يده في جيبه وأخرج ظرفًا صغيرًا فسلمه إليه ، وقال له :” اقرأ ما كتَبتْ إليّ ابنتي ندى قبل شهر لتعلم ما الذي كنتُ أقصده وما الذي فاتني كل تلك السنين الماضية أن أفهمه ” ..
أخذ عمر الظرف وفتحه وأخرج ما بداخله وبدأ يقرأ …
الفصل الرابع: حين يتكلم القلب ..
” أبي إنني لا أقدر على الكلام فالبوح يخنقني وإنني أكتب لك بمداد قلبي الذي عاش طويلًا ينبض بلا روح تقاسمه جمال العيش وألمه ..
أبي إنني أعلم كم تحبني وكم تسعى وتتعب في سبيل سعادتي وراحتي ..
أبي إنني أحبك حب البنت لأبيها حينما تعجز الكلمات أن تصف ذلك الحب وتعجز الموازين أن تزنه ويعجز البوح أن يتحدث به ..
أبي أرجوك حررني من قيود نفسي ودعني أبوح لك بحبي الذي كتمته طويلًا جدًا لأني ما كنت أعلم ما الحب وما هو ذلك الشعور الذي يخالط قلبي عند كل لحظة أراك فيها بعد غيابٍ طويلٍ كنتُ أنتظرك فيه بشوق..
أبي إنني أحبك ولم أكن أعلم ما الذي أفتقده حين تغيب عني ، لأنني كنت أقلب كل شيء حولي فلا أجد شيئا ينقصني ،، فالجواهر والملابس والمال وكل شيء أستطيع شراءه كنتُ أجده بجانبي …
ولكن أنت يا أبي لم أكن أستطيع شراءك أو شراء وقتك للجلوس إليك وما كنت أستطيع شراء ما يشابهك لأُحَدّثَه وأفضفض له فأخبره بما كنت أحلم وبما كنت أرى وماذا كنت أفعل في صباحي ومسائي..
أبي إنني وبعد تلك السنين كلها وجدت ما كنت أفتقده ،، وجدت ما كنت أحتاجه!
أبي إنني أحتاج إلى روحك بجانبي دائمًا ، فمنذ رحلت أمي عن الدنيا فَقَدَتِ الدنيا بريقها وفقدتُ روحي معها ، وما زلت أجلس إلى الناس أتظاهر بسعادتي وأغطي خداعي إياهم بالمال الذي تبعثه إليّ كل شهر ، حتى صدقوني ولكنّ نفسي أبت أن تصدقني وتعيش تلك السعادة التي كانت تُصورها لجميع من حولها حتى صدقوها وقبلوها ..
أبي إنني ما زلت أذكر حضن أمي التي ماتت وحضن أمي الأخرى التي فقدتها حين انتقلتُ إلى هذا القصر من سنين ..
أبي إنني أذكر ذلك الطفل الذي عشتُ معه طفولتي وفقدتُ روحي مرةً أخرى حين لم أجده بجانبي لألعب معه وحين لم أجده بجانبي ليمسح دمعتي حين أسقط فيُبكيني الألم …
أبي إنني منذ ذلك الحين لا أجد في محجر العين دمعًا ولكنني أجد في القلب نشيجًا يتجلجل قد كتب الزمان عليه الحرمان والصمت ..
أبي إنني منذ أشهر وجدت الروح التي فقدتها في صغري وكبرت وأنا أشتاق لها كل لحظة ،، وحين رأيتها بعينيّ عادت الروح إلى قلبي فتأكدت أنها ذاتها الروح التي كنت أشم عطرها في طفولتي وأتنسم عبق قربها حين كنت أنام على الأرض ممددة لا تحيط بي جدران صامتة ولا تخنقني أسوار القصر العالية!
أبي إنني أتذكر حين كنّا ننام في حضن أمي ونستيقظ ونحن ممددون على الأرض يلفنا غطاء واحد ونتوسد المخدة ذاتها.
أبي إنني أصل لختام بوحي وما أظنك إلا قد فهمت منه مقالتي ومرادي .. فإن كنتَ ضَنَنْتَ عليّ بذلك سنين ماضية فرجائي أن لا تَضِنّ به عليّ أكثر.. وثق بأني أحبك وسأحبك للأبد ..
ابنتك ندى ” ..
تمّت
انما هذه البداية. 😘
إعجابLiked by 1 person
الله يسعد قلبك أ. يزيد ،، شاكر وممتن لمرورك 💜💜
إعجابإعجاب
ابداع في التعبير ووصف المشاعر صدقا شكرا لك على هذه التجربة الي عيشتنا فيها
إعجابLiked by 1 person
الله يسعدك ياسر شاكر وممتن لقراءتك ولمرورك الرائع😍🙏🏻
إعجابإعجاب