اليوم الأحد الموافق الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لعام ١٤٣٦هـ …
حدث أن كنت يوم الخميس الماضي في قسم قسطرة القلب وكان هناك تجمع مهيب للاستشاريين والمختصين بالقلب وعلومه..
تبينت من الأمر فإذا به طفل لم يتجاوز الستة أشهر من عمره لديه تشوه خَلقي في الشرايين الرئيسية المغذية للقلب ، والنقاش مستمر حول العملية وطريقتها ،، وفي نهاية الأمر اتفقوا على إجراء عملية القلب المفتوح لهذا الطفل يوم الأحد القادم ( أعني بذلك هذا اليوم ) ..
مباشرة وقبل خروج الدكتور عبدالله الجراح المسؤول عن هذه العملية حدثته قائلا : ” لو تكرمت يا دكتور ممكن أحضر معك عملية الطفل يوم الأحد؟“ كنت حينها متشوق جدا لحضور أي عملية جراحية ،، أجابني بلطف العبارة قائلا: ” أكيد ومثل هذه الحالات لا تراها في ٩٥ عام سوى مرة واحدة” !
مرت إجازة نهاية الأسبوع ولم تفارقني للحظة خيالات هذه العملية وما قد يكون فيها ..
أتى يوم الأحد وفي صباحيته استيقظت قرابة الساعة الثامنة –وأنتم تعلمون كيف يكون الاستيقاظ صباحًا في رمضان– فلملمت نفسي وما حولي على وجهٍ من السرعة ، ثم توجهت مباشرة للمستشفى لألحق فأرى التجهيزات المبدئية للعملية وما يكون فيها من إجراءات احترازية لسلامة الطفل ..
وصلت قسم جراحة القلب وتوجهت لاستلام اللباس الخاص بغرف العمليات ثم ارتديته وما يلحقه من غطاء الرأس ونحوه .. بعد ذلك أسرعت إلى غرفة العمليات رقم ٣ فدخلتها لأرى الطفل محمد ملقى على ظهره تحت رحمة الله ولطفه ثم نظر استشاري التخدير ..
محمد ملقى على ظهره وأنابيب التنفس موصولة من خلال فمه إلى جوفه وهو في حالة موت صغرى لا شيء يشعرك بحياته سوى صوت نبضات قلبه الصغير وحركات صدره المكشوف ..
وبعد خطوات طويلة من التعقيم والتهيئة لجزئية الصدر ، بدأ الجراح عند الساعة ٩:٥٤ صباحاً بقطع الجلد ثم قص عظمة القص ومن ثم فتح القفص الصدري وقام بتثبيته بالأداة الحديدية الخاصة بذلك ..
هنا لازلت واقفا مندهشا أتابع بصمت وتدور في ذهني الكثير من الأسئلة التي ستجيبني عنها الأيام القادمة بإذن الله ..
هنا أراقب منتبهًا ومرددًا في نفسي: “ما شاء الله لا قوة إلا بالله “ لما أرى أمامي من سلاسة في يد الجراح ودقّةً في أداءه ..
قربت النهاية بعد أن أنهى الجراح تصحيح التشوه الخلقي وانتقل بعد ذلك للخطوة ما قبل الأخيرة وهي مراقبة استقرار حالة الطفل ومدى تقبله للمستجدات في نسيج قلبه ..
هنا بدأ د. عبدالله الخطوة الأخيرة المشتملة على إغلاق القفص الصدري ومن ثم خياطة الجلد ..وخلال هذا العمل بدأ الجراحان يسلّي بعضهما الآخر بالطرف والأبيات الشعرية الجميلة ..
الآن قرب الانتهاء من خياطة الطبقة الأخيرة من الجلد وفي هذه الأثناء جاء التنبيه الطاريء من استشاري التخدير بأن ضغط الطفل في انخفاض شديد !!
هنا أعلن د عبدالله حالة الطوارئ وأعلن عن عزمه القيام بإعادة فتح القفص الصدري !
د. عبدالله يخاطب مساعده قائلا له : “ساعدني بسرعة لنفتح الصدر”.. قاما بذلك سريعا والعيون ومن قبلها القلوب تراقب الشاشة وتترقب تحسن الأمر ..
وبعد فتح الصدر عادت حالة الطفل للاستقرار ولله الحمد وتم تثبيت صدره على تلك الحالة ، ثم تمت تهيئة الطفل ليتم تحويله بعد ذلك لقسم العناية الحرجة معلنين بذلك نهاية العملية ونجاحها بفضل من الله ومنة عند الساعة ١:٤٠ مساءًا ..
حينها تأملت حال ذلك الطفل من بعيد وقلت في نفسي “يا الله ما حال الطفل في مقبل الأيام ؟! ”
وفي الختام شكرت الدكتور عبدالله وطلبت منه توقيع وختم ورقة الحضور ومن ثم صليت الظهر وعدت بعدها للبيت لا أعلم عن حالي فضلا عن حال الطفل أو مستقبله ..
وتلك كانت أول عملية جراحية أتابع مجرياتها بشغف وعن كثب .. فالحمد لله أولاً وآخرًا 💜💜
السلام عليكم
مدونتك رائعة جدا بورك قلمك وابداعك
إعجابLiked by 1 person
وعليكم السلام ورحمة الله
الله يسعدك شاكر وممتن لمرورك 🌷
إعجابإعجاب
مدونه اكثر من رائعه بارك الله فيك وجعلك خير طبيب
إعجابLiked by 1 person
أنا أحب عالم الاطباء من بعيد دائما يقشعر بدني لقصصهم (وسواليفهم )
أذكر أني اشتريت كتاب او كتيب لا يحضرني اسمه لطبيب طوارئ يذكر فيه قصص مرت عليه في الطوارئ
الله على ذاك الكتاب سهرتي عليه كل ليلة والصبح اجري لأمي شفتي تخيلي اسمعي بقولك شيء
تعبيرات كلها دهشة في دهشة
وكبرت وأنا أحب أتأمل عالم الأطباء لأني أحسهم أشخاص يمتلكون علم معقد وصعب وهالشي يخلي الانسان الطبيب امكانياته عالية بمعنى أصح مداركه تكبر وتتوسع ومستواى تفكيره يعلا ويرتقي فيه كمية تأمل وقدرات الموضوع بنفس الوقت لازم يبسط هذا العلم للمريض الإنسان العادي
خالتي طبيبة ودائماً هيا محط إعجابي وتقديري في أمور كثيرة تفعلها كاطبيبة (ماتدري خالة اني اتاملها هههههه واضرب بها المثل مع احاديث نفسي) لا أعلم لأي درجة الطب يغيرالإنسان ويُحسن منه
ولكن تحيا لمعشر الأطباء
إعجابLiked by 1 person
الله يسعد قلبك بشاير ،، شكرًا لمرورك وكلماتك الجميلة هذه التي حركت الكثير من الذكريات خلال ست سنوات في كلية الطب … قريًبا جدًا بإذن الله سأكتب مدونة أنثر فيها خواطر حول ذلك .. أكرر شكري لك بشاير على مرورك الذي أثلج صدري وأعاد إليّ ذكريات ماضية 💜🙏🏻
إعجابLiked by 1 person
يالله ! صار لي سنوات تاركه القراءه لأنها ماعادت تشدني كالسابق .. بس مدري كيف دخلت هنا وقرأت قصتين ماشالله تبارك الله عليك اسلووووب ! جدا رااااائع ويحمس ..
بالتوفيق لك ..
إعجابLiked by 1 person
سعدت بقراءتك لما كتبت يا فاتن ،، وشاكر وممتن لمرورك 💐
إعجابإعجاب
ماشاءالله العظيم
أهنيگ ع حظور عملية القلب وتهيئة نفسك وقوتها
طرحگ ممتع في سرد الموقف سألة المولى عزوجل أن يشفيه ويديم العافيه على جسده
سأفتخر ونفتخر بدكتور عظيم مثلگ.❤️
إعجابLiked by 1 person
يسعدك ربي ويرفع قدرك 💜💐
إعجابإعجاب