كم كنتُ أرفع من شأن مقالات قرأتها وأحط من شأن أخرى بالرغم من أني لم أكمل قراءتها ، وما ذلك إلا بسبب ما يسمى الانطباع الأول !
ذلك الانطباع الذي نسير به على غير هدى ونحكم به على العالم من حولنا على غير بيّنة ولا برهان !
حين تقرأ نص كتبه أحدهم ، فأنت لا تقرأ ذات النص فحسب بل أنت تقرأ ذاتك وفكرك ومشاعرك في ذلك النص !
وإن شئت فقل قد كُتب النص لغاية يوصلها ، وأنت تقرأ النص وتبحث عن دلائل غاية تود الحصول عليها ..
إن أي نصّ مكتوب يعتبر في ذاته كالمجسم متعدد الأوجه والزوايا والأضلاع ولكنه جامد البنية مشلول الحركة ،، وما قيمة ذلك النص إلا فيمن يقرأه ويتبيّن أوجه إعجازه وجماله وبيانه ..
فاسأل نفسك كم نصّ قرأته وحكمت عليه بأنه فارغ وعديم المعنى وتفاجأت فيما بعد بمن يستل لك بديع المعاني من مكنونه؟!
الفكر يا سادة هبةٌ من الله لنا ، يحررنا من قيود الجمود والعمى لنتجول في فضاء الله الواسع ونتقلب في ملكوته اللا منتهي لنتأمل جميل الصنع وبديع الخَلق وحُسن الإخراج..
الفكر يا سادة يجعلنا نغوص في أعماق الكلمة لنستلهم من غورها معانٍ لم تكتب ، إنه فضول الفكر وشغف الجمال !
لا زلت أذكر ذلك الصديق الذي أهداني كتابه فقضيت بضع ساعات أتأمل عباراته وأنقب عن معان أستلهم معها فضاءات جديدة ، فإذا بي أعبر عن رحلتي تلك فأكتب له:
“صحيح أن الرواية قصيرة في سردها إلا أنها عميقة في محتواها .. أجد فيها وفاء صديق ، وعرفانًا لشيخ ، وحبّا طاغي لحبيبة!
والدروس والفوائد فيها تتناثر هنا وهناك ، وبقدر ما يتأمل القاريء فيها يزداد نصيبًا منها “
فإذا به يجيبني بتواضع : “تسلم كلام أكبر مني صراحة” …
حقيقة أني منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظات التي أكتب فيها هذه الكلمات ، لازلت أتأمل أي المعاني تحتمل كلماته السابقة!
ولكن أيّا كان يا صديقي ما تعنيه في عبارتك تلك ، فـتأكد أن كلماتك حين كتبتَها قد حررتها من فضاء فكرك وعقلك إلى فضاءٍ أرحب ..