شابُّ وغلبني الكسل!

لا زلت أذكر حينما بدأتُ مرحلة البلوغ وبدأَتْ عضلات جسمي تزداد في النمو يومًا بعد يوم ، وتزداد قوةً واشتدادًا مع تتابع الأيام ، حينها بدأ أبي حفظه الله في إرفاق إحدى مهام العائلة الكبرى إليّ وكانت حينئذ مهمة تجهيز وتركيب حقائب السفر على السيارة .. وقتها أذكر كيف كان أبي يُحرّصني ويُأكد على أهمية توزيع ثقل الحقائب على السيارة وترتيبها بالشكل المناسب وأهمية توثيق الرباط بشكل محكم جدًا ، وكان يذكر لي حينها كيف أنه يضطر أحيانا لقطع الحبال من شدةِ حرصه في إحكام عُقد رباطه..

الأمر ليس في ذلك بل فيما سيأتي  .. حيث استمريت بعد ذلك في تولي تلك المهمة وأداءها على أكمل وجه استطيعه في ذلك الحين قرابة الثلاث سنوات دون أي تقصير أو خلل في الأداء .. ولا زلتُ أذكر تلك الليلة التي لا تنسى حينما قررنا السفر في صباح اليوم التالي وشَرعتُ في تركيب الحقائب وشدها في وقتٍ متأخرٍ من الليل ، حيث كنت في ذلك الوقت متعبًا نوعًا ما وغلبني بعض الكسل ، وغرتني نفسي بأنّي لم أخفق في المهمة خلال ثلاث سنوات مضت فما الذي سيحدث هذه المرة !

الذي حصل في تلك الليلة أن نفسي شاورتني بأن لا أشد الحبال والعقد بقدر كبير حتى لا أُرهَق كثيرا في ربطها وحتى لا أتعب كالعادة في فَكّها وقتما نصل وجهتنا ، فأطعتُ نفسي والكسل وفعلتُ ما راوداني عليه !

حان وقت السفر وكنت خلف مقود السيارة حين ذاك والأهل جميعهم ركاب ، وأبي بجانبي يراقب عن كثب الأداء العام لإبنه المتعلم الشاب ..

خلال الطريق وبعد قطع مسافة 5 ساعات تقريبًا ،، سمعتُ ضجة مفاجئة وغريبة تنبئ عن خللٍ ما في السيارة أو حولها .. في أجزاء من الثوان المعدودة تفقدت العداد لعلّي أجد الإجابة هناك فلم أجد شيئا ، ثم انتقلت بعينيّ في لمح البصر إلى المرايا الجانبية فإذا بي أرى إحدى الحقائب وهي تحلق في السماء في منظر مدهش ثم تهبط فترتطم بالأرض وتزحلق فيها ما شاء الله لها أن تزحلق جراء حركة السيارة السريعة!

وبفضل من الله كان الطريق في ذلك الوقت شبه خالٍ إلا من سيارتنا ،، فهدّيت من سرعة السيارة ثم توقفت وعدت على عَجلٍ لآخذ الحقيبة من طرف الطريق وأتفقد بقية الحقائب ..

كان هناك بعض الأكياس الصغيرة المفقودة ولا أعلم حقيقة في أي زمنٍ طارت وفي أي مكان هبطت ولكن الذي أعلمه أن الحقيبة الكبيرة كان لها الصدى المدوي الذي لفتَ انتباهي للمشكلةِ العظمى التي كنت السبب فيها ..

من التجربة السابقة تعلمت الكثير و رغم مرور السنوات الطوال إلا أنني أذكرها وكأنها الساعة حاضرةً في ذاكرتي ، فقد تعلمت حينها كيف أن الكسل قد يكون سببًا في عواقب وخيمةٍ تصل إلى أرواح تُفقد ، فتخيّل معي لو كانت هنالك سيارة أخرى بالخلف حينما سقطت الحقيبة !

كيف سيكون حالها وحال قائدها حين يتفاجأ بالجسم المحلق أمام عينيه ويوشك أن يقع عليه أو يقع أمام مركبته فيصتدم به ؟!  فضل الله ولطفه كان أوسع بكثير من تخيلاتي ولله الحمد ..

حينها قلتُ لنفسي بعد أن تلقنتُ درسًا لن أنساه ، “ياليتني قطّعت حبال الدنيا ولا أرخيت حبلًا  يُشَدّ لسلامتي وسلامة غيري” ..

وختامًا ،، مما سبق يمكننا أن نلاحظ أن الكثير من مشاكلنا في هذه الحياة غالبًا ما تبدأ صغيرة لا نلقي لها بالًا  ولا نعيرها أي اهتمام إلا بعد تفاقمها وبعد فواتِ الأوان ، فجميل منا أن نكون يقضين منتبهين فنركز أبصارنا ونعير أسماعنا للحياة وللمواقف والظروف من حولنا قبل أن تتراكم الصغائر فلا نستيقظ ألا على هول الكبائر ..

4 أفكار على ”شابُّ وغلبني الكسل!

  1. وأنا أقرأ مقالك، تخيّلت أني سأكتب مقالاً بعنوان “طالب وغلبني الكسل”؛ أصف فيه عاقبة ارتخائي عن المذاكرة قبل اختباري القادم..
    تخيّلت ذلك، وفتحت سلايداتي أذاكر 🙂
    فقطع حبال العقل خيرٌ من إرخائها، كي لا تسقط عليّ أسئلة الاختبار سقوط الحقيبة..
    ومن يدري إن كان سقوط الأسئلة عليّ سيمرّ بسلام كما مر سقوط حقيبتكم بسلام!

    شكراً

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s