إنني أكبر والزمن من حولي يتسارع بشكل رهيب، اليوم أضحى سريعًا كأنه ساعاتٍ معدودة والشهر لم يعدْ سوى أيام محسوبة، والسنين تمر مرّ السحاب فإن لم نغنم منها الخيرات فهي مرتحلة لا تؤدة فيها ولا تأخير!
زادت حدة التسارع في حياتنا الشخصية وعلاقاتنا الاجتماعية بشكل ملحوظ لا يبعث على الاطمئنان، خاصةً مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ومع الزخم الإعلامي المثير والمؤثر.
فقد أصبح الحاضر ضحية قربان للمستقبل وضحية غفران للماضي ، وهو بذلك مسفوكَ الدمِ مستباحَ اللحظة!
تلك اللحظة التي لم تعد تعني في ذات حاضرها شيئا لأننا رسمناها فيما مضى خيالاً في المستقبل ، حتى أتى ذلك المستقبل المُنْتَظَر فقيّدناها بإطار صورةٍ للماضي المندثر، وبقيت تلك اللحظة في ذاتها تأسى على حالها!
فضحكةُ أبي وابتسامةُ أمي وعتابُ أخي وعناقُ صديقي لحظات مضت لا أذكر من مشاعرها شيئا سوى أنني كنت مشغولا عنها بالتقاط الصورة ورسم جمالها لتبقى للماضي الغابر ، دون أن أنتبه إلى جمالها الحاضر ومشاعرها الحانية في تلك الساعة الدافئة !
نحتاج حقيقة إلى أن نتكاشف مع ذواتنا قبل أن نقدم على تذكية حاضرنا الآمل، فنعيش اللحظة بأروع وأدق تفاصيلها حقيقة ، ثم نرسمها خيالا ونحررها أحرفا وألوانا ، فذلك أدعى للنفس أن تحيا في الحاضر جماله وروعته وفي الماضي أنسه وبهجته وفي المستقبل شوقه وأمله .
لندع الجهاز جانبًا و التصوير لاحقًا فهناك أب وأم وأخ وزوجة وولد وصديق في انتظار أن نشاركهم جمال السحاب في انسيابيته وعبوره ، والمطر في عبير عطره ودفء أحضانه ، فتلك لحظات والله وبالله وتالله إن غدت فإنها لا تعود وإن تأخرنا عن اللحاق بها فذهاب بلا إياب!
هنا أختم حديثي لتذهب إلى أمك وأبيك وإلى من ينتظرك بشوق ، فتصنع معهم أجمل اللحظات التي يبتهج لها القلب ويخلّد أنسها العقل!